بقلم:أحمد صبري
بقلم:أحمد صبري
لَمْ يكُنْ أسيرًا عاديًّا يمضي بعد إطلاقه بعد سنوات أسْرِه، وإنَّما كان شاهدًا على رحلة دامت (61) عامًا قضاها الأسير الفلسطيني نائل البرغوثي في السجون الإسرائيليَّة، قاوم ضغوط وتعذيب وترهيب سجَّانيه الذين لَمْ يتورعوا في إيذائه ومصادرة حقوقه ووضعه انفراديًّا في غرفة لَمْ تتوفر فيها أبسط الظروف الإنسانيَّة.ولَمْ يُدرك سجَّان البرغوثي أنَّ إرادة سجينه لَمْ تنَلْ مِنْه محاولات تركيعه وإذلاله، فقَدْ شهد البرغوثي تغيير أبواب غرفته الحديديَّة واستُبدلت مرَّتين خلال رحلة أسْرِه منذ اعتقاله وعمره (19) عامًا من غير أن يُدركَ هذا السجَّان أنَّ إرادة البرغوثي لَمْ تنكسرْ ولَمْ تصدأْ وتتلفْ مِثل أبواب غرفته، وظلَّ صامدًا يقاوم عاديات الزمن وأساليب العدوِّ الإسرائيلي التي تستهدف إرادة الأسرى والمعتقلين.وحكاية البرغوثي ودلالتها تُبرز أهمِّية وضع حدٍّ لسياسة «إسرائيل» إزاء قضيَّة الأسرى وما يتعرضون فيها إلى أبشع أنواع التعذيب، لِتكُونَ شاهدًا حيًّا على قضيَّة تأبى النسيان وترفض أن تبقى خلْفَ أبواب غُرف التعذيب والإهانة الممنهجة.
لقَدْ طال ليل الأسرى الفلسطينيين جرَّاء المنهج التدميري لِمَن يقف خلْفَ القضبان صامدًا مِثل البرغوثي، متطلعًا للتحرير والحُريَّة ليُسهمَ مع إخوته الذين يقاومون الاحتلال الإسرائيلي بعزيمة وإرادة لا تقبل التفريط بالحقوق المشروعة في إقامة الدوَلة الفلسطينيَّة وعاصمتها القدس الشريف.وعلى الرغم من اتِّساع دائرة استهداف المقاومين الفلسطينيِّين من قِبل قوَّات الاحتلال الإسرائيلي بالقتل تارةً والأسْرِ تارةً أخرى، فإنَّ نار وسعير المقاومة ترتفع وتتصاعد في مواجهة سياسة التهويد والعدوان الإسرائيلي على المقَدَّسات ومصادرة الحقوق المشروعة.
إنَّ أهمِّية تدويل قضيَّة الأسرى ومسؤوليَّة المُجتمع الدولي أصبحت مهمَّة إزاء جرائم العدوِّ في السجون الإسرائيليَّة الذي يقبع فيها نَحْوُ (5000) أسير من بَيْنِهم (160) طفلًا و(30) أسيرةً و(1083) أسيرًا إداريًّا يقبعون في (23) سجنًا.فلسفة الوضع القانوني للأسير الفلسطيني تتطلب التزام «إسرائيل» بتطبيق اتفاقيَّات جنيف الثالثة والرابعة على الأسرى؛ من أجْل الحفاظ على مكانة الأسرى الشرعيَّة كمحاربين قانونيِّين وتحرير قضيَّتهم من الإطار المحلِّي ومن العزلة الدوليَّة، وإشراك المُجتمع الدولي ومؤسَّساته الفاعلة بمراقبة وتطبيق «إسرائيل» للقوانين الدوليَّة بشأن الأسرى وملاحقة المسؤولين الإسرائيليِّين على جرائمهم وأعمالهم المخالِفة لهذه القوانين.ويقبع العشرات من القادة الفلسطينيِّين في سجون الاحتلال، بما في ذلك أعضاء في المجلس التشريعي ووزراء ورؤساء بلديَّات في مقَدِّمتهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات والكثير مِنْهم. نعم، لَمْ تصدأْ وتتلفْ إرادة المقاومة الفلسطينيَّة مِثل الحديد، وبقيت حيَّة منذ جريمة تقسيم فلسطين ترجمة لوعد بلفور المشؤوم متمسِّكةً بالحقِّ التاريخي لفلسطين ومقَدَّساتها وعاصمتها القدس الشريف، هذه الإرادة يجسِّدها الفلسطينيون يوميًّا على الأرض من خلال التمسُّك بحقوقهم ومقاومتهم الباسلة لمشاريع الضمِّ والتهويد، واستباحة المُدُن، وترويع أهلها، والاستيلاء على أرضهم وممتلكاتهم ومزارعهم. لقَدْ آنَ الأوان لوقف العربدة الإسرائيليَّة وتماديها على الحقوق والمقَدَّسات وجلب المتورِّطين بجرائم المذابح والقتل العمد، وإنكار الحقوق إلى المحاكم الدوليَّة لوضع حدٍّ لهذا المنحى التدميري الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي بحقِّ قضيَّة فلسطين وشَعبها الأبي.