بغداد/ شبكة أخبار العراق- ان المعضلة الاصلية في قانون الموازنة ليس كما يراها او يصفها عدد من المحللين السياسيين والخبراء الاقتصاديين والمؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي، بأنه اكبر موازنة في تاريخ العراق الذي بلغ (198,910,343,590) ترليون دينار أي ما يعادل 153 مليار دولار بسعر صرف 130 ألف دينار، بينما ينخرها عجز بمقدار (64,537,424,527) تريليون دينار أي ما يعادل 49 مليار و500 مليون دولار، وينفق ما يقارب منها مقدار 57 مليار دولار على دفع المعاشات والأجور في القطاع العام، انما الحقيقة التي يتم التعمية عليها في هذه الموازنة وبشكل مخطط ومدروس على الأقل بالنسبة للمؤسسات المالية الاميركية والسفيرة الاميركية في بغداد التي تمثل إدارة جون بايدن، بأن الأحزاب الإسلامية الميليشياتية الحاكمة تعمل بشكل حثيث لحسم مسالة السلطة السياسية وتصفية جميع المعارضين والمخالفين اما عبر ترسيخ وبناء مؤسسة قمعية ستبينه لاحقا او عن طريق منح الامتيازات وشراء الذمم على جميع الأصعدة.
بغداد/ شبكة أخبار العراق- ان المعضلة الاصلية في قانون الموازنة ليس كما يراها او يصفها عدد من المحللين السياسيين والخبراء الاقتصاديين والمؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي، بأنه اكبر موازنة في تاريخ العراق الذي بلغ (198,910,343,590) ترليون دينار أي ما يعادل 153 مليار دولار بسعر صرف 130 ألف دينار، بينما ينخرها عجز بمقدار (64,537,424,527) تريليون دينار أي ما يعادل 49 مليار و500 مليون دولار، وينفق ما يقارب منها مقدار 57 مليار دولار على دفع المعاشات والأجور في القطاع العام، انما الحقيقة التي يتم التعمية عليها في هذه الموازنة وبشكل مخطط ومدروس على الأقل بالنسبة للمؤسسات المالية الاميركية والسفيرة الاميركية في بغداد التي تمثل إدارة جون بايدن، بأن الأحزاب الإسلامية الميليشياتية الحاكمة تعمل بشكل حثيث لحسم مسالة السلطة السياسية وتصفية جميع المعارضين والمخالفين اما عبر ترسيخ وبناء مؤسسة قمعية ستبينه لاحقا او عن طريق منح الامتيازات وشراء الذمم على جميع الأصعدة.
وأول الغيث في قانون الموازنة، هو تصفية الحسابات القديمة المؤجلة من قبل بغداد مع سلطة الأحزاب القومية الكردية في كردستان، ووسعت بغداد الهوة بين الحزبين القوميين الحاكمين، وبدأت لها اليد الطولى على أربيل، حيث أجبرتها بالقبول على مضض بدفع أموال 400 ألف برميل من النفط الى الحكومة المركزية وقسم من واردات المنافذ الحدودية بعد ان كانت تماطل كل هذه السنوات. ولم تقف عند هذا الحد، بل يشرف على التدقيق المالي شركة اجنبية، وعلى كردستان تقديم فواتيرها إضافة الى تصفية الحسابات الختامية طوال السنوات المنصرمة. أي بمعنى اخر ان مكانة الأحزاب القومية الكردية في كردستان كما يقول المثل المصري (طب ساكت) أي هوت على الأرض دون أن يسمع لها صوت، وها هي تعيش احلك ايامها على الأقل خلال المدى المنظور، ولكن لا يعني أن هذه الأوضاع ستكون مستقرة وثابته، ففي العراق والشرق الأوسط وحتى العالم، دائما هناك مفاجآت ومنعطفات سياسية، تغيير من موازين القوى، مثل الثورتين المصرية والتونسية التي قلبت كل المعادلات السياسية في المنطقة، وإعلان تأسيس دولة الخلافة الإسلامية في ثلث مساحة العراق أي صعود نجم داعش، واشتعال شرارة انتفاضة تشرين-أكتوبر في العراق، والحرب الروسية على اوكرانيا، واندلاع الانتفاضة في ايران التي مازالت جمرتها مشتعلة تحت الرماد… الخ.
ان ما هو أخطر في قانون الموازنة ويكشف عن ماهية الحكومة الحالية التي يقودها السوداني، هو زيادة ميزانية مؤسسة الحشد الشعبي التي تجند 122 الف عنصر كما هو مدون في القانون، من 2 مليار ونصف الى 3 مليار و500 مليون دولار، مع إضافة ميزانية الى ما يسمى بـ”الفرقة الخاصة” التي لم نسمع بها، وعدد عناصرها 12 الف عنصر، ويضاف الى كل تلك الأجهزة الأمنية جهاز مكافحة الإرهاب ووزارة الداخلية ومجلس الامن الوطني وجهاز المخابرات وهيئة المنافذ الحدودية. وبموازاتها خصصت أموال تقدر بمليون و500 الف دولار لنقابة الصحفيين التي من المفترض ان تكون مستقلة، أي تخصيص ميزانية لشراء ذمم الصحفيين وتجميل صورة النظام السياسي في العراق عبر تجنيد صف من الأقلام المأجورة. وما يثير السخرية أيضا خصصت أيضا مليون ونصف مليون دولار لهيئة الحج، ويبدو انها من اجل التكفير عن الذنوب عند كل عملية سرقة ونهب جديدة من هذه الموازنة مثلما حدث في “صفقة القرن”*، التي أدرجت أي ميزانية هيئة الحج مع ميزانية نقابة الصحفيين في حقل خاص سمي بالنشاط العام للدولة.
ما نريد أن نقوله في هذا المضمار ان ما يسمى بالإطار التنسيقي الذي يلف الأحزاب والمليشياتية الإسلامية الموالية لإيران يسعى الى بناء مؤسسة قمعية تسمى بالحشد الشعبي وعن طريقها تعمل على تقوية بقية المؤسسات الأمنية على غرار الحرس الثوري الإيراني، الذي طالما استقتلوا على بقائها بوجه حكومة العبادي وبعدها حكومة الكاظمي بحجة الدفاع عن الوطن وتضحياته بالتصدي لداعش، فها هو قانون الموازنة يبين ان ميزانية الحشد الشعبي والفرقة الخاصة التي بالتأكيد هي “الفرقة الناجية” تستحوذ على ميزانية هي نصف ميزانية وزارة الدفاع.
انما كل هذه اللوحة القاتمة لا تراها المؤسسات المالية الاميركية، انما ترى فقط بل وتستفزها معاشات العاملين في القطاع العام الى جانب توظيف عدد من العاطلين لا يتجاوز 250 الف شخص بعيد عن مبالغات وتهويل المؤسسات المالية العالمية وخبرائها الاقتصاديين، وتم توظيفهم بعقود وبراتب شهري هو 300 ألف دينار أي ما يعادل 200 دولار، الذي لا يسد تكاليف النقل والاتصالات وبدلات الايجار ومعيشة اسرة من فردين او ثلاثة أفراد مدة أسبوع في اقصى حالته، في حين يبلغ عدد العاطلين في العراق 12 مليون عاطل، ولا تفكر المؤسسات المالية بمصير أولئك العاطلين، لا نريد ان نخوض في هذا المجال لأننا كتبنا عنه في مكان آخر.
وكي تكتمل اللوحة السياسية من خلال قانون الموازنة، فإن العجز الحاصل، يسدد من خلال القروض التي افردت لها 7 صفحات مع الفوائد، الى جانب وضع الضرائب على الدخل والاتصالات والنقل والكهرباء والماء والخدمات وأصحاب المطاعم حتى الدرجة الثانية وأصحاب المحلات. وهذا يعني بقدر زيادة مساحة الفقر والعوز، وبقدر اشتعال غضب الجماهير واستيائهم وامتعاضهم من الموازنة، بنفس القدر هناك مؤسسة قمعية تعيد الجماهير الى رشدها وتفرض عليها الاستكانة والخنوع والرضوخ كما هو حاصل في إيران. أي من سيدفع تكاليف العجز هم الغالبية العظمى من سكان العراق وهم العمال والموظفين والعاطلين عن العمل والشرائح الاجتماعية الكادحة التي بالكاد تؤمن لقمة عيشها من اجل البقاء على قيد الحياة.
منذ تسليم نوري المالكي عندما كان رئيسا للسلطة التنفيذية ثلث مساحة العراق الى داعش ومرورا بالعبادي وعادل عبدالمهدي وانتهاء بالكاظمي، فلأول مرة يفتح المجال لعودة تحالف الأحزاب الإسلامية وميليشياتها الى السلطة والاستحواذ على ما يمكن استحواذه دون أي رادع، فعلى الصعيد الاقتصادي يعمل على التناغم بقدر الإمكان مع المؤسسات المالية الاميركية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وعدم استفزاها، حيث خصصت أقل من 1% من الموازنة لميزانية وزارة الصناعة التي تشرف على 200 مصنع ومعمل من اجل البدء بعملية تصفيتها وبيعها، وكذلك لم توظف كما اشرنا أكثر من ربع مليون شخص بعقود ومحرومين من كل حقوقهم بالضمان الاجتماعي والتقاعد وغلاء المعيشة..الخ. كما انها استغلت فرصة التهدئة بين السعودية وإيران التي نتجت عنها إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وهنا نتوقف قليلا كي نشير الى احد عوامل التي تقف وراء مثل هذا النوع من قانون الموازنة، وهو الاعتماد على توقعات واستمرار التهدئة وهبوب رياح الاستقرار في المنطقة، تقودها السعودية بسبب مشروعها الإقليمي الذي يغديه رخائها الاقتصادي بسبب تدفق أموال النفط على اثر ارتفاع أسعار النفط، وان عملية تجميد الأموال بحد ذاته خسارة، ولذلك تسعى السعودية بتوظيف أموالها، والقانون الأساسي الذي يحكم رأس المال ويجذبه ويشجعه لتفريخ رؤوس أموال جديدة هو الامن والأمان اللذان يولدان الاستقرار، وهذا العامل أي المشروع الإقليمي لسعودية وراء التعجيل والقبول على المصالحة أي السعودية مع تركيا، وهو نفس العامل وراء إعادة العلاقات الدبلوماسية مع ايران، وإعادة سوريا الى الجامعة العربية وتأهيل نظام بشار الأسد من جديد، وكذلك بذل المساعي في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ان هذا الوضع الإقليمي انعكس في قانون الموازنة على صعيد حجم الموازنة، وعلى صعيد زيادة الانفاق على مليشيات الحشد الشعبي بشكل خاص والمؤسسة الأمنية بشكل عام، وعلى صعيد التوقعات باستمرار الاستقرار السياسي في العراق وفي استمرار ارتفاع أسعار النفط.بيد ان المسالة المهمة التي يجب الإشارة اليها، هي ان الاستقرار السياسي النسبي في العراق بعد تشكيل حكومة السوداني، ويعود، ان نفس تحالف الميليشيات التي كانت تعبث بأمن المجتمع من اجل العودة الى دفة إدارة السلطة، حصلت على مرادها في تشكيل الحكومة، نقول الاستقرار السياسي معرض لهزة عنيفة ودون أي سابق انذار، اذ ان العامل الإقليمي يلعب دورا في ذلك.ان الجمهورية الإسلامية في ايران التي وافقت على مضض بسبب أزمتها الداخلية اثر الانتفاضة الجماهيرية ووضعها الاقتصادي، غير قادرة على الأقل منافسة السعودية وتركيا في المنطقة، وان بسط نفوذها السياسي ليس انعكاسا لوضعها الاقتصادي سواء على صعيد تصدير واستثمار رؤوس الأموال او على صعيد قدرة بنيتها الصناعية بالمنافسة في أسواق المنطقة، بل عن طريق عسكرتاريتها وتمددها العسكري عبر المليشيات التي شكلتها، ولا تملك غير تلك الاستراتيجية التي أطرت بعناوين مرة “تصدير الثورة” وبعدها غيرت يافطتها الى “المقاومة والممانعة”، ولذلك ان انهيار الاستقرار الأمني في المنطقة والعراق من ضمنها او عودة الأوضاع الى ما قبل على الأقل بين السعودية وإيران هو مسألة وقت، وخاصة اذا أدخلنا في التحليل الدور الأميركي الذي تهب رياح التغيير على المنقطة الذي تقودها السعودية بغير صالحها، ولن تقف أي أميركا مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث.
وبالرغم ان السعودية تلعب دورا في إعادة العراق الى ما يسمى الى الحضن العربي او المحيط العربي وقيادة المجموعة العربية عبر الجامعة العربية، إلا أن نجاحها في مواجهة ايران في العراق او في لبنان او اليمن وخلق حالة الاستقرار ليس سهلا، للأسباب التي أشرنا إليها. وفي المقابل لا تملك إيران غير استراتيجية العسكرتاريا في فرض نفوذها السياسي على المنطقة.ويجدر الإشارة إلى ما جاء في مقال مايك نايتس وهو احد المستشارين السياسيين للطبقة الحاكمة الاميركية في مجلة فورين افيرز في 5 حزيران المنصرم بتركيزه على “شركة المهندس العامة” التابعة للحشد الشعبي واستيلاء الحشد على مليون و200 ألف هكتار على الأراضي بين السعودية والعراق، والتي حاولت السعودية استثمارها، الا ان المالكي والخزعلي رفضوا العرض السعودي ووصفاه بالاستعمار الجديد. ويذهب نايتس بمخاوفه لدق ناقوس الخطر أمام نفوذ أميركا في العراق والمنطقة، إلى أن تلك الشركة هو استنساخ للتجربة الحرس الثوري الإيراني الذي أسس “شركة خاتم الأنبياء” واستولت على كل المقدرات الاقتصادية لإيران، لتوظيفها في خدمة الحرس.ما نريد ان نقوله ان هذا المشهد جزء من لوحة اكبر يميط اللثام اجلا او عاجلا عن صراع إقليمي مرتقب ينعكس على الوضع السياسي واستقراره في العراق، وخاصة ان السعودية هي الأخرى تملك أدواتها السياسية او هناك من اطرف ستستفيد من ذلك الصراع لصالحه وأهمها التيار الصدري الذي يجر اذيال هزيمته أثر اقصائه من السلطة.
بعبارة أخرى أن قانون الموازنة هو انعكاس للمكانة الجديدة التي احتلها تحالف الإسلام السياسي الشيعي على السلطة وتنفسه الصعداء، بيد أن العامل الذي يقض مضجعهم هو عدم قدرته على كسر صخرة الاحتجاجات والاعتراضات الجماهيرية، وكان اخرها تظاهرات العمال التي اجتاحت مصافي النفط وخاصة في مدينتي الناصرية والبصرة التي أرغمت الطبقة السياسية الحاكمة في إسقاط مادة 42 من مسودة قانون الموازنة ومفادها رفع سعر إنتاج البرميل من النفط من 11 ألف دينار إلى 22 ألف دينار. إن هذا المشهد سيكبر بفعل عدم قدرة هذه الطبقة لا من الاكتفاء بفسادها او تقويض دائرته، ولا في حل مشكلة الفقر والعوز التي تتوسع مساحتها بفضل قانون الموازنة، حيث يعيش 40% من سكان العراق تحت خط الفقر، ولا بقدرة فصل نفسها عن الأقطاب الإقليمية والدولية والكف عن العمل في موقع الذيل السياسي لهذا القطب او ذاك، ولا بامتلاكه الأفق السياسي ووضع استراتيجية عليها سوى العيش بخبز يومها والاعتماد على القمع وتحميق المجتمع، وأكثر من كل ذلك، فما زالت أيام انتفاضة أكتوبر شاخصا امامهم وتبث الرعب في صفوفهم.* سرق ما يقارب 2 مليار ونصف مليار دولار من هيئة الضرائب، واطلق سراح المتهم الاول بالسرقة وهو نور زهير قبل شهرين الذي غادر العراق، وكشفت صحيفة الغارديان البريطانية بأن من يقف ورائها هادي العامري رئيس مليشيا منظمة بدر العضو القيادي في الإطار التنسيقي وهو عنوان تحالف الاحزاب والمليشيات الموالية الايران.