بغداد اليوم – بغداد
منذ أكثر من تسعة أشهر، وتحديدا منذ بدء عمل البنك المركزي بالمنصة الإلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي “سويفت” (SWIFT)، لم تشهد أسعار صرف الدولار في العراق استقرارا رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي السيطرة على سعر الصرف في الأسواق الموازية (السوداء).
ولا يزال سعر الصرف في الأسواق الموازية يسجل ارتفاعا كبيرا مقارنة بالسعر الرسمي، إذ سجلت العاصمة بغداد، 156 ألف دينار عراقي قبالة كل 100 دولار أمريكي، في الوقت الذي يبلغ فيه سعر الصرف الرسمي 1320 دينارا للدولار.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، اليوم السبت (16 أيلول 2023)، ان زيارة مساعدة وزير الخزانة الأمريكي اليزابيث روزنبرغ الى بغداد لم تكن مرتبطة بمساعدة البنك المركزي العراقي في جهوده الرامية إلى تحقيق استقرار سعر الصرف فقط، وانما التلويح بعقوبات إضافية على الجهاز المصرفي العراقي في حال استمرار عمليات تهريب الدولار.
وأوضح المرسوي في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بمنصّة فيس بوك وتابعتها “بغداد اليوم”، انه” على الرغم من الإصلاحات التي قام بها البنك المركزي لتحسين امتثال المصارف للتعامل مع متطلبات المنصة الإلكتروني في البنك المركزي العراقي والبنك الفدرالي الأمريكي وكان من نتائجها تعامل الأغلبية معها، ما أدى الى ارتفاع كبير في مبيعات البنك المركزي التي بلغت كمتوسط نحو 200 مليون دولار يوميا، غير ان الفجوة أخذت بالاتساع بين السعرين الرسمي والموازي للدينار مقابل الدولار، اذ بلغت الفجوة بينهما 20% وهي اكبر بكثير من المستويات العالمية المتعارف عليها التي تبلغ نحو 2% فقط”.
العراقيون في إيران
وأكمل، ان” الفجوة ترتبط بسببين مهمين: الأول هو منع التحويلات المالية عبر القنوات المصرفية للدول المعاقبة من الولايات المتحدة وفي مقدمتها ايران ما أدى الى تمويل التجارة معها من خلال شراء الدولار من السوق الموازي ثم تهريبه الى ايران، والثاني: هو الطلب الكبير من المسافرين العراقيين الى ايران للدولار من السوق الموازية، لان تعليمات البنك المركزي لا تسمح لهم بشراء الدولار بالسعر الرسمي وهو طلب كبير، لإن المسافرين العراقيين الى إيران يشكلون 55% من اجمالي السياح الأجانب في ايران وقد انفق العراقيون عام 2022 في ايران نحو 3.410 مليار دولار”.
وتابع المرسومي، ان” الصادرات الإيرانية للسلع غير النفطية للعراق بلغت 10.3 مليار دولار عام 2022 أي حوالي 20% من الصادرات الإيرانية الاجمالية غير النفطية عام 2022، اذ تزود إيران حالياً 8.2% من احتياجات العراق في قطاع الآلات، و26.7% في مجال الزراعة والصناعة والمواد الغذائية و18.9% من احتياجات البلاد المعدنية، و55% من مواد البناء و48% من منتجات المصافي و28% من المنتجات البتروكيماوية. تعد غالبية السلع التي تصدرها ايران الى العراق من ضمن السلع المؤدية الى خلق فرص العمل وذات قيمة مضافة عالية”.
مليون مهنة
وزاد الخبير الاقتصادي، ان” الدراسات تشير الى أن أكثر من مليون مهنة يوفرها قطاع التصدير الإيراني الى العراق، وعلى ذلك لا يمكن خفض الفجوة او تحييدها بين السعرين الرسمي والموازي للدينار مقابل الدولار من الغاء العقوبات الامريكية على ايران حتى يمكن تمويل استيرادات العراق منها من خلال المصارف او بقطع استيرادات العراق من ايران ومنع العراقيين من السفر اليها وهو ما تسعى اليه الولايات المتحدة كهدف استراتيجي لها من اجل خنق ايران اقتصاديا وهو هدف محفوف بالمخاطر بسبب الأهمية الاقتصادية الكبيرة للعراق في الاستراتيجية الاقتصادية الإيرانية”.
ودعت وزارة الخزانة الأميركية، يوم الجمعة (15 أيلول 2023)، إلى ضرورة تحسين القطاع المالي في العراق والحدِّ من تمويل الإرهاب.
وقالت الخزانة الأميركية في بيانٍ لها، إنها اتفقت مع العراق على العمل لتحسين القطاع المالي لمنع الاحتيال والتهرّب من العقوبات وتمويل الإرهاب وغيرها من الأنشطة غير القانونية.
والتقت مساعدة وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية، إليزابيث روزنبرغ، يومي الـ 12 و13 سبتمبر أيلول الجاري برئيس الوزراء والبنك المركزي العراقي وممثلي مصارف القطاع الخاص العراقي ببغداد.
وقال البيان، إن” الجانبان اتفقا على أن هناك فرصاً وتحديات لتحسين القطاع المالي في العراق، والعمل معاً نحو إصلاحات هادفة ومستدامة، لجلب العراق إلى المعايير الدولية ومنع الاحتيال والتهرّب من العقوبات وتمويل الإرهاب وغيرها من الأنشطة غير القانونية”.
عقوبات جديدة
وبموازة زيارة المسؤولة الأمريكية إلى بغداد قال مسؤول كبير بوزارة الخزانة الأميركية إن البنك المركزي العراقي يجب أن يعالج المخاطر المستمرة الناجمة عن سوء استخدام الدولار في البنوك التجارية العراقية كي يتجنب فرض إجراءات عقابية جديدة تستهدف القطاع المالي في البلاد، مشيرا إلى أعمال احتيال وغسل أموال وتهرب إيران من العقوبات.
ومنعت الولايات المتحدة في يوليو/تموز 14 بنكا عراقيا من إجراء معاملات بالدولار في إطار حملة أوسع نطاقا ضد الاستخدام غير القانوني للعملة الأميركية.
وذكر المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه لرويتز، أنه لا تزال هناك بنوك عراقية أخرى تعمل بمخاطر “يجب معالجتها” رغم الحملة.
ومع وجود احتياطيات تزيد على 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، يعتمد العراق بشكل كبير على حسن نية واشنطن في ضمان عدم تعرض عائدات النفط وأمواله لعقوبات أميركية.
نشاط غير قانوني
وأضاف المسؤول أن الإجراء، الذي اتخذته بلاده في يوليو/تموز، استند إلى مؤشرات واضحة على نشاط مالي غير قانوني. وأوضح أن الجرائم المزعومة التي تنظر فيها وزارة الخزانة تشمل أعمال غسل أموال ورشوة وابتزاز واختلاس واحتيال.
وقال المسؤول لرويترز في بغداد “أختار التركيز على البنوك التي لا يزال لديها إمكانية الوصول وأرى أن المخاطر مستمرة فيها”.
وأضاف “سيكون شيئا رائعا لو اقتنص البنك المركزي الفرصة لمعالجة الأمر بشكل مباشر مما قد يبطل الحاجة (في الولايات المتحدة) لاتخاذ المزيد من الإجراءات”.
وذكر المسؤول أن حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، التي عُينت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، كانت متعاونة وأحرزت “تقدما”، وهو أمر “لم يكن كذلك بالضرورة” قبل 10 إلى 15 عاما.
وقال مسؤول وزارة الخزانة الأميركية إنه رغم ذلك لا يزال هناك أصحاب “مصالح خاصة يشعرون بارتياح من الوضع الراهن وقد يثيرون قلاقل في حالة التغيير”، لكنه لم يكشف هوية أصحاب المصالح هؤلاء.